الخطية الأصلية ( بين بيلاجيوس وأغسطينوس )
الخطية الأصلية ( بين بيلاجيوس وأغسطينوس )
2011/09/07
on
المقدمه :
ماذا بعد السقوط ؟ بماذا تسببت الخطيه فى الجنس البشرى ؟ هل خطية أدم لها فاعليتها الى الان , ام أنها مجرد خطيه خاصه بأدم وحده ؟ بماذا تؤمن الكنائس اليوم وتعلم عن الخطية ؟ فى ذلك البحث سنحاول ان نرى أراء اللاهوتيين والمفكريين بخصوص الخطيه الاصليه ومدى تأثيرها فى الجنس البشري بعد ذلك .
اولا ً: الاراء المختلفه :
رأى بيلاجيوس : وهو راهب انجليزى ولد حوالى سنه 370 وقد اعلن تعاليمه فى روما سنه 409 التى ادينت فى مجمع قرطاجه سنه 418 م [1] وتكلم بيلاجيوس عن خطيه ادم انها خطيه اثرت فى من قام بها فقط – اى أدم – ولم تؤثر فى الجنس البشرى من بعده, وكل انسان خلق على وجه الارض بعد أدم يمنحه الله نفس حاله أدم الاصليه قبل أن يخطئ .أى ان الانسان فى نظر بيلاجيوس يولد فى حالة البراءه مثل ادم فى الجنه وبالتالى فقد انكر مبدأ وراثه الخطيه .
فقد علم بيلاجيوس ان كل البشريه تخلق بريئه خاليه تماما ًمن اى ميل للفساد وقادره قدره ذاتيه على طاعه الله, وانكر عجز الانسان الكلى وفساد طبيعته . وقد نادى بأن للانسان قوه داخليه لعمل الخير والوصول الى أعلى درجات القداسه, وبذلك ايضا ًأهمل بيلاجيوس عمل الروح القدس فى النفس وقد اعتبر نعمه الله ماهى الا مجرد نداء للبشريه ليمارسوا افضل ماعندهم من نحو الله[2] ويقول انس عن تعليم بيلاجيوس ” انه يرى الانسان خلق بدون اى صفه اخلاقيه ليس بارا ًولا شريرا بل قادر على عمل مايشاء “[3] وبذاك يؤيد انس فكره رفض بيلاجيوس ان الفساد قد توارث من ادم لنسله او مايسمى بالخطيه الاصليه, وقد انتهت تعاليم بيلاجيوس او تطورت لتنشئ المذهب السوسينى [4]
رأى اغسطينوس : يعلم اللاهوتى اغسطينوس الشهير بأن أدم فى البدء كان فى حاله براءه وبعد سقوطه كنائب عن البشر سقطت فيه أو معه البشريه كلها واصبح كل أنسان يولد بالخطيه الاصليه فهو من الولاده مجرم يستحق العقاب لان طبيعته فاسده فسادا ًكليا ً فهى طبيعه تستحق القصاص او العقاب, ويقول انس عن رأى اغسطينوس فى ذلك ” الاتحاد النيابى بين أدم ونسله هو السبب فى ماحل عليهم من نفس نتائج المعصيه التى حلت عليه فهم يولدون ابناء غضب خاليين من صوره الله وفى حاله دينونه “[5] فالانسان بحسب رأى اغسطينوس أثيم وفاسد من مولده خالى من اى فضائل او أخلاقيات وبذلك فقد علم ايضاً ان الانسان حر تماماً فى اختيار الشر – وذلك بناء على طبيعته الفاسده – لكنه فى نفس الوقت عاجز تماما ً ان يختار الخير او الصلاح فقد اصبح الانسان بفعل الخطيه الأصليه ميت روحيا ًوليس مجرد مريض وعليه فهو لايستطيع ان يفعل اى شيئ لخلاص نفسه او أن يساعد الروح القدس فى اتمام خلاصه . وتتبنى الكنائس المصلحه اوالكلفينيه – نسبه الى اللاهوتى الفرنسى جون كلفن – والبروتستانتيه هذا الرأى
* ثانياً: رأيى الخاص :
اننى اختلف اختلاف تام مع كلا الرأى البيلاجى فيما يختص بالتعليم عن الخطيه الاصليه وتثوارثها, فأنا اتفق مع رأى اغسطينوس ( وبالتالى كلفن ) فى أن الخطيه قد أثرت على كل الجنس البشرى فيقول بولس الرسول فى ( رو 3 : 10 – 12 ) ان الكل فاسداً والجميع زاغوا عن الطريق وهذا الزيغان ليس فقط بالعمل ( كما يقول بيلاجيوس ) بل امتد الى النفس فنرى من سفر التكوين ( تك 6 : 5 ) ان تصور قلب الانسان شرير وفى ( مز 19 : 14 ) يصلى كاتب المزمور ان يكون فكر قلبه مرضى امام الله, فأن لم يعمل الانسان الخطيه فبالطبيعه هو خاطئ ونرى فى ( مز 51 : 5 ) اشاره هامه على طبيعه الانسان الفاسده حيث انه من قبل ان يولد فبالخطيه حبلت به أمه – اى أنه ملوث بالخطيه الاصليه منذ البدء –[6] وبالتالى فأن الخطية التى انتقلت الينا ( اى الخطيه الاصليه ) قد شوهت حالتنا واصبحنا فى فساد كلى وهذا على عكس مايعلم به بيلاجيوس ان الخطيه لم تتوارث وايضا ًعكس مايدعيه الارمينيون بأن الخطيه ماهى الا مرض فى الانسان, فلو كان مرض لأستطاع الانسان ان يشفى منه بأن يحضر هو بنفسه الى طبيب ليشفيه, ولكن يعلمنا الكتاب المقدس فى ( اف 2 : 1 ) اننا كنا اموات بالذنوب والخطايا , فالخطيه ليست مرض يحتاج الى طبيب بل هى موت كلى للأنسان يحتاج الى الرب المحيي ونجد ذلك موضح ايضا ًفى كلام الله من البدء لادم ( تك 2 : 17 ) ان الخطيه ستسبب له موت روحى فعلى لا يستطيع بسببه ان يختار بين خير او شر, فبأختصار اختلافى مع بيلاجيوس انه لم يعترف به فى كنيسه او طائفه وأن مبادئه ماهى الا هرطقه ظهرت لم تبنى على اساس المكتوب [7] لأن الكتاب يعلمنا عن ان الخطيه قد توارثت ( اى 15 : 14 ) وفكره ان الانسان اعمال الانسان واتجاهه هو من يخلصه فلا حاجه له للنعمه هى فكره مرفوضه بالنسبه لى فيعلمنا الله ان الاعمال لاتخلص ( اف 2 : 9 ) وانها من غير الممكن ان تبرر احد ( رو 3 : 20 ) . اما اختلافى مع الفكر الارمينى[8] اننى مذنب حتى من قبل ارتكابى اى خطيه وان الخطيه هى موت – كما اوضحت سلفا ًولا يمكن ان تكون مرض .
ثالثا : التعليم عن الخطيه اليوم :
كما رأينا سابقا ً أن التعليم عن الخطيه قديما ًتنوع مابين الرأى الاغسطينى القويم والرأى الذى لا نقبله وهو الرأى المنسوب الى فكر بيلاجيوس كذلك التعليم فى كنائسنا وخدمتنا اليوم قد تنوع ايضا ًعن الخطيه, فأن كانت فكره بيلاجيوس عن عدم توارث الخطيه وأن كل أنسان يولد برئ تماما ًخالى من الخطيه الى أن يرتكبها هى فكره غير مقبوله تماما ً فى كنائسنا اليوم ( أنجيليه كانت او تقليديه ) فكل الكنائس تقر أننا نولد أشرار نرث الخطيه الأصليه من أبينا أدم, الا اننا هنا نجد مفترق الطرق بين التعليم عن الخطيه فمنهم من يؤمن ان الخطيه بالرغم من وصولها الى الأنسان الا انه يمكنه ان يتعافى منها بقراره ان يتبع المسيح ( الفكر الأرمينى المشار اليه سابقا ً) ومنهم من يشدد على أنه توجد ممارسات تتيح للأنسان أن يكفر أو أنها تساعده لغفران خطاياه كالأعمال الحسنه والتناول من جسد الرب ودمه والاعتراف المستمر الى وسيط ما ( كفكر الكنائس التقليديه ) فالخطيه فى نظر الأغلبيه الكنسيه حاليا ًما هى الا مرض يصيب الانسان متغاضيين عن قول بولس فى ( أف 2 : 1 ) انها موت فعلى وعجز كلى تام أصاب الانسان, وأن كان الواقع المحتم أن ذلك هو حال معظم الكنائس الا اننا نجد قله قليلون يؤمنون بالتعليم الكلفينى أو الاغسطينى عن الخطيه بشمول الخطيه وتوارثها فى كل أنسان بمجرد ولادته او بمعنى أدق بمجرد قبوله نسمه الحياه من الله, وانا أرى أنه لو رجعنا الى التعليم الكتابى الصحيح – على الأقل فى وجهة نظرى – الذى علم به أغسطينوس عن الخطيه ذلك سيجعل الناس يشعرون بمدى معنى النعمه وكيف يمكننا قبولها ويجب علينا ألا نتمايل عن التعليم بحجه أن بعض الخطاه سيتعثرون أن علموا التعليم الصحيح, فالغايه لا يمكن بأى حال أن تبرر الوسيله .
* ثالثا ً: الحوار الاغسطينى البيلاجى :
سحاولنا مره اخرى سرد العقيدتين[9] فيما يختص بالخطيه الاصليه على شكل حوار او مناظره قامت بين القديس اغسطينوس وبيلاجيوس .
– بيلاجيوس : اؤمن أنه بسقوط ادم اثرت فيه الخطيه وحده ولم تؤثر على باقى النسل البشرى فكلنا نولد بنفس حاله البراءه التى كان عليها أدم فى الاصل .
– أغسطينوس : أؤمن انه بسقوط أدم النائب عن البشريه سقطت فيه البشريه كلها وبذلك قد استوجب الجميع الدينونه ليس بناء على افعالهم بل على طبيعتهم الفاسده وبناءا ًعليه فالكل يختار ان يخطئ بسبب الطبيعه الفاسده ولا يوجد انسانا ًلا يخطئ ( 1 مل 8 : 46 )
– بيلاجيوس : اؤمن بأن لكل انسان قوه داخليه تقوده الى الخير والى اسمى درجات الصلاح لو أراد هو ان يفعل ذلك فالمسيح لنا مجرد قدوه يمكننا ان نحذو بأتجاهها فنعمه الله للبشر هى نداء ليمارس البشر أفضل ماعندهم .
– أغسطينوس : لا ارى فى تعليمك الحق الكتابى فلم يعلمنا الله من خلال كلمته أننا نستطيع ان نتجه الى نعمة الله او ان نعرفه بناء على قدرتنا ( غل 4 : 9 ) ونحن نؤمن ان المسيح ليس مجرد قدوه يحتذى بها بل هو الطريق الوحيد للخلاص ( غل 2 : 16 ) وانه لا يمكن للانسان الفاسد ان يتجه الى الله من نفسه بتاتاً لان نتج عن فساده فساد فى طبيعته وفى تصرفاته وحتى فى افكاره فكلنا قررنا ان نميل الى الخطيه ( اش 53 : 6 ) .
– ارمينيوس : أومن بأن خطيه أدم توارثتها الاجيال فيما بعده – وبذلك اعترض مع فكره بيلاجيوس تماما ً- ولكن فى وجهه نظرى ان الخطيه قد لوثت الانسان بمجرد مرض لم يصل الى الموت فالأنسان هنا شبه بشخص يغرق ولكنه يستنجد بمن يخلصه .
– أغسطينوس : ما تقوله من ناحية توارث الخطيه اتفق فيه معك لآنه حق معلن فى كلمه الله, ولكن تعلمنا كلمة الله ان الانسان ميت بالخطية ( اف 2 : 1 ) وليس مريض والميت لا يستطيع ان يقبل أو ان يرفض الهبه المقدمه له من الله فقضيه ان الخطيه جعلتنا فى حاله مرض لا موت هى قضيه وهميه غير كتابيه.
الخاتمه :
بعدما نظرنا فى الاراء الشهيره فى الخطيه الاصليه وجدنا ان قسم ( البيلاجيين )ينادى بأنهلا وجود للخطيه الاصليه من الاساس وكلنا نولد ابرار لا حاجه لنا الا ان نفعل الخير وبذلك فنحن ابرار تماما ً, ولكن الله لا يترك نفسه بلا شاهد فكانت كلما ظهرت هرطقه يظهر الرب بصيص النور فهنا ظهر التعليم القويم من تعاليم أغسطينوس ( الجانب الثانى ) عن الخطيه التى أكد على توارثها من أدم الى كل البشريه من بعده كممثل ونائب عنهم وأن تلك الخطيه سببت فساد كلى للأنسان لا يمكن من خلاله ان يفعل الصلاح او ان يختاره ( رو 3 : 10 – 18 ) فالانسان لا يفهم الصلاح ولا يطلبه ولا يعمله اذا الكل فسدوا وبناء عليه فالنعمه-هى عطيه الله لى وليست للعكس ( اى عطيتى أنا الى الله )
المراجع :
الكتاب المقدس.
أنس , جيمس , علم اللاهوت النظامى , كنيسه قصر الدوباره , 2005 .
بامر , أدوين , معجزه النعمه , وجيه يوسف , 2009 .
ثيسن , هنرى , علم اللاهوت النظامى , دار الثقافه , 1987 .
رياض , يوسف , الاختيار , كنيسه الاخوه , 2001 .
كلفن , جون , المسيحيه الكتابيه , الرابطه الانجيليه فى الشرق الاوسط , 1994
[1] هنرى ثيسن علم اللاهوت النظامى ص 323
[2] يوسف رياض الاختيار
[3] جيمس انس علم اللاهوت النظامى ص 347
[4] المرجع السابق ص 83
[5] جيمس انس مرجع سابق ص 368
[6] ادوين بامر معجزه النعمه ص 40
[7] هنرى ثيسن مرجع سابق 324
[8] الفكر الارمينى : نسبه الى الراهب الهولندى ارمينيوس ينادى بأن الخطيه قد توارثتها البشريه الا انها مجرد مرض اصاب بعض الانسان وليس كله اى ان فيه صلاح يمكنه من خلاله ان يفهم الشر ويبتعد عنه من نفسه ويمكنه هو بنفسه ان يتفاعل مع نعمه الله فى رفضها او قبولها
[9] العقيدتين هى ماركزنا عليه فىى بحثنا مع العلم انه يوجد اكثر من نظريه اخرى فى الخطيه الاصليه ( كنظريه الحسبان غير المباشر – النظريه الواقعيه – النظريه الفيدراليه الاتحاديه الخ )
تعليقات
إرسال تعليق